الأعمال الكاملة للمهدي بن عبود ترى النور

image
  • 19/12/2023

الأعمال الكاملة للمهدي بن عبود ترى النور

علَم مغربي راحل ذو أثر نوعيّ في النقاش الفكري والوطني بالمغرب، كانَه المهدي بن عبود، الذي تتجدّد حياةُ أفكاره ومواقفه وآرائه مع وصولها المكتبات في ثلاثة أجزاء، بجمع وترتيب محمد الدماغ، وإصدار مؤسسة المهدي بن عبود للبحوث والدراسات والإعلام.

وبن عبود طبيب ووطنيّ كافح ضد الاستعمار، وهو أول سفير للمغرب بالولايات المتحدة الأمريكية ورئيس بعثة المملكة لمنظمة الأمم المتحدة بعد الاستقلال، والأستاذ الجامعيّ الذي درّس نفسيّة المشكلة الاجتماعية وعِلم النفس المرضي والمذاهب الفكرية المعاصرة والعقيدة الإسلامية، وعمل منذ شبابه منسقا بين الملك محمد الخامس والجالية المغربية من الطلبة بفرنسا، ثم فتح مكتب الدعاية والإخبار بالقضية المغربية في الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع السلطات الفرنسية إلى التحرك ضده، وحرّر بالقاهرة المصرية مع الحسين أيت أحمد وثيقة النضال من أجل التحرير الكامل للدول المغاربية، قبل أن يلتحق سنة 1955 بتطوان بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأجنبي.

وجاء في مقدمة الأعمال الكاملة أن صاحبها علم من أعلام الفكر المعاصر والمعرفة الإنسانية، وكان واسع الآفاق، شامل النظرة، عالمي الرؤية، كوني التصور، عميق الجذور في التراث، بعيد النظرة في المستقبل، “ومما زاده اكتمالا وجمالا جولته عبر قارات العالم وسياحته في العواصم والدول، واستضافته من طرف العديد من رؤساء الدول والملوك وارتحاله بين المحافل الدولية كهيئة الأمم المتحدة، والجامعات العالمية سواء في باريس أو الولايات المتحدة الأمريكية مرورا بآسيا والشرق الأوسط”.

وأورد الكتاب ما قاله العلَم المغربي الراحل المهدي المنجرة في مجايِلِه: “يعد الدكتور المهدي بن عبود اليوم مؤسسة بالنسبة لأولئك الذين ما فتئوا يولون أهمية للضمير المحرك للحياة والإيمان بالله (…) ومن هنا تنبع روح هذا العالم الطبيب النضالية، روح لا هوادة فيها، وينبع التزامه الصامد للدفاع عن كرامة الإنسان. إنه سلوك مثالي قبل استقلال بلده أعطى من أجله بكثير من نكران الذات، بل وحتى بعد الاستقلال، والشواهد على ذلك مرسومة في ذاكرة الشعب، ذاكرة لا تقبل التزوير (…) في عهد يقال عنه إنه عهد (عولمة) ليست سوى وسيلة تنميط جميع أنظمة القيم، وإبراز نموذج تفكير موحد عن طريق الاستعمار الثقافي، وارتزاق جديد لم ينحصر قط في المتاجرة بالمواد، ولكن كذلك بالعقول والضمائر، يسعدنا أن نسمع صوتا لا مراء في صدقه وفي نزاهته. (…) صوت ناتج بتواضعه عن تعلق متين بالمعرفة وتعاطف غير محدود مع كل ما خلق الله”.


 

وتضم الأجزاء الثلاثة الصادرة حديثا مجموع الأبحاث والمقالات والمحاضرات والمداخلات والاستجوابات والخواطر والشذرات التي خطّها الفقيد وأودعَها الباحث الدّماغ الذي أشرف على ترتيبها ومراجعة ما تضمه من كتابات فكرية وأدبية في الفلسفة، علم النفس، فلسفة العقيدة، التاريخ، السياسة، الاجتماع، التصوف، السلوك، الرقائق، تاريخ العلوم، منطق المعرفة، الطب، الشعر وفن الرواية.

ومن بين ما تضمه الأعمال الكاملة مشروع يسائل “مساءلة عميقة الفكر الإنساني، على مستوى جميع أبعاده المعرفية والعقائدية والثقافية والحضارية، مساءلة تتجاوز النظرة الضيقة للإنسان والوجود والأديان والفلسفة والمعرفة والثقافة والحضارة والتاريخ، تسعى إلى التأسيس الفعلي للمشترك الإنساني نحو المساهمة في بناء (الأمة الإنسانية) بالتنظير للوحدة البشرية علميا وفكريا وعمليا”.

والحل بالنسبة لبن عبود هو “العقيدة الإسلامية” فهي “عقيدة الحاضر والمستقبل” وتجمع بيت “العلم النظري الكامل التام الواقعي المطلق لترقية النفوس والأمم، والعملي الجامع للكليات الثابتة الدائمة، والأصول القارة والجزئيات اليومية السلوكية”.

فهم الإيمان هذا قائمٌ على مبادئ هي: التكريم والحمل الكوني للإنسان تشريفا له وتزويدا بالأسباب والوسائل لحمل أمانة الاستخلاف في الأرض، والتعارف الكوني وهو الغاية من الخلق، والرحمة العالمية التي تشمل جميع الكائنات من إنسان وحيوانات، مكارم الأخلاق نصرة للحق بالحق لا بالباطل، التخيير الإرادي في الممارسة الدينية والعقدية القائمة على مبدأ الاحترام والتسامح وعدم الإكراه كيفما كان شكله أو نوعه أو درجته، والعدل بين جميع البشر في دائرة المعاش التي تشمل الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية والتعاون والتضامن بين مختلف الشعوب والدول من أجل البقاء وإعمار الأرض بالحق والعدل بغض النظر عن الاختيارات العقائدية والانتماءات المذهبية.

ودافع عمل من الأعمال المنشورة على أن “التحدي الخلقي هو التحلي بالفضائل العقلية والذوقية والروحية للنهوض بالفرد والمجتمع إلى أحسن تقويم كما هو مرسوم في الفكرة الإنسانية”، والجواب يكمن في “الموقف النفسي اتجاه الحقيقة والذات والعالم”؛ وبالتالي “مواجهة التحديات تقتضي استعدادا نفسيا قائما على قوة الإرادة والعزم والقوة الفكرية والأخلاقية التي تجمع شتات الإنسان وتعمل على توجيه القوة النفسية المنطلقة من صورة الوجود الحق، والرامية إلى تحقيق هدف معين هو إسعاد البشر في الدّارَين”.

ومن بين أعمال الأجزاء الثلاثة رواية فلسفية بعنوان “عودة حي بن يقظان” عن العصر، تهتم بما بلغه العالم “من تفسخ وانهيار وفتن وحروب واستغلال (…) وما آلت إليه الإنسانية من تفكك وتشرذم وتدهور رغم قوتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية البراقة ما دامت تحكمها عقلية السوق والربا (…) وفقدان الشعور بالاحترام وقدسية الروح والنفس والأخلاق”.